9d5fd06e1cce25a4شمس الروايات43321fdf94be346b5d73eb55eae3a43d
الفصل الرابع: المرآة التي تنزفكانت إيرين تظن أن الطريق سيوصلها إلى مكانٍ ما،لكن بعد ساعاتٍ من السير، أدركت أنه لم يتحرّك أصلًا.كل خطوةٍ تخطوها تُعيدها إلى النقطة نفسها،غير أن الأشياء من حولها تتبدّل ببطءٍ مرعب:الأشجار تقترب، الظلال تطول، والأصوات تتضاعف كأن الزمن يكرّر نفسه.انحنت لتلمس الأرض،فوجدت أن الطين صار أكثر برودة،لكن ما صدمها هو أن يدها انعكست عليه من الداخل.كأن هناك “نسخة أخرى” منها تلمسها من الجهة المعاكسة للتربة.رفعت رأسها بسرعة،فلمحت على بعد خطواتٍ مرآةً نصف مدفونةٍ في الأرض،سطحها مائل ومشوَّه،كأن أحدهم صنعها من رملٍ صلب ثم نسي أن يُنهيها.اقتربت منها بحذر،وحين نظرت فيها، رأت وجهها مغطّى بشقوقٍ حمراء دقيقة —ليست دمًا، بل خطوطًا من ضوءٍ ينزف ببطء.حاولت لمسها،فشعرت بحرارةٍ حادّة تخترق أصابعها،وسمعت الصوت ذاته الذي سمعته يوم النبضة الأولى:“كل مرآةٍ هي جرح، وكل جرحٍ هو باب.”ارتجفت الأرض.المرآة بدأت تنبض،وكل نبضةٍ تفتح فيها شرخًا جديدًا،حتى تدفّق منها خيطٌ من الضوء،تحوّل في الهواء إلى صورة رجلٍ يقف أمام قصرٍ زجاجي.عرفت وجهه فورًا، رغم أنها لم تلتقه قط.آرون.مدّت يدها عبر الضوء،لكن المرآة سحبتها فجأة كما لو كانت تبتلعها.صرخت، غير أن الصوت لم يخرج منها…بل خرج من آرون نفسه، في عالمٍ آخر.⸻في القصر الزجاجي،كان آرون يراقب إحدى المرايا المغطّاة بالقماش.رأى من تحتها بقعةً صغيرة من الضوء الأحمر،ثم بدأ الزجاج يقطّر شيئًا يشبه الدم،لكن شفافًا كالسائل البلوري.رفع القماش،فرأى وجه إيرين خلف الزجاج —وجهها مذعور، يدها ممدودة نحوه.مدّ يده دون تفكير،ولامس السطح البارد…فانسكب الضوء من طرفي المرآة،واختلط دمها بضوءه.في اللحظة نفسها،ارتجّ القصر حتى ظنّ أن الزجاج سينفجر.ثم رأى كلماتٍ تُكتب على الجدران من تلقاء نفسها،بخطٍ فضيّ يشبه النبضات:“حين تلامس المرايا دماءً من عالمين،ينفتح الطريق الثالث.”انفجر الضوء في وجهه،ورأى الغابة للحظةٍ قصيرة،كأنها تتكوّن داخل القصر نفسه.ثم سمع صرخةً خافتة:“الطريق المقلوب لا يعود إلى الوراء!”⸻في مدينة الرماد،كانت ميرا تشعر بشيءٍ يسيل من السماء.رفعت يدها لتلتقطه،فوجدت قطراتٍ شفافة تشبه الدم البلوري ذاته.كل قطرةٍ تسقط، تنقش في الرماد رموزًا غريبة،كأنها كتابة حيّة.جمعت القطرات في كفّها،فأضاءت خطوطًا تشبه شقوق الزجاج.قالت بصوتٍ ساكن:“الكوكب ينزف من الداخل.”ثم رفعت رأسها،ورأت في السماء ظلّ امرأةٍ تمسك بمرآةٍ مكسورة.لم تعرفها،لكنها شعرت بألمٍ طفيفٍ في صدرها،كأن نبضًا غيرها بدأ يسكن جسدها.⸻أما فايل،فكان يطير في قلب إعصارٍ صامت،عندما رأى الغيوم تنقسم إلى صفائحٍ زجاجيةٍ ضخمة.كل صفيحةٍ تعكس وجهًا مختلفًا له،حتى لم يعد يعرف أيّها حقيقي.في إحدى الصفائح،رأى وجه امرأةٍ يخرج من الغابة،وعلى وجهها شقوقٌ من ضوءٍ أحمر.في الأخرى، رأى رجلًا يقف وسط قصرٍ من زجاجٍ سائل.وفي الثالثة، رمادًا ينبض كالقلب.ضحك بخفة وقال:“يبدو أن الطريق بدأ يختلط بالمرآة.”لكن صوته لم يكن له هذه المرة.كان صوتًا آخر، أعمق، يأتي من داخله،كأن الرياح نفسها أصبحت تتكلم باسمه.⸻تحت سطح إيثيريون،كانت طبقات الزجاج والطين والرماد تهتزّ معًا.النبضات التي كانت منفصلة صارت تتزامن،والكوكب بدأ “ينزف ضوءًا”.كانت تلك إشارة الجرعة الثانية.الصوت ذاته الذي سمعوه جميعًا —هادئٌ، بعيد، ينساب عبر الوعي:“المرايا تتذكّر أكثر مما تعكس…ودماؤكم الآن مفاتيحها.”
e8ce727bcd02009cشمس الرواياتe517e0c2fb428e6e48bc6fb65855a0d9
60664bc4e0679de6شمس الرواياتf1549c1f18294167cf5b6409a9d27dad