d2464f71b7abab12شمس الروايات0754366218df85814a7bb210dce821d5
الفصل الثالث: الطريق المقلوبلم يكن الصباح في الغابة هذه المرة رماديًا…بل أقرب إلى فضةٍ سائبة تتسلّل بين الجذور،كأن الضوء نفسه تاه عن مكانه.سارت إيرين وسط ضبابٍ بارد،الهواء كثيف إلى درجةٍ تجعل الأصوات تنكسر فيه.كلما خطت خطوة، سمعت صدى خطواتها يتكرّر قبلها بزمنٍ وجيز،كما لو أن الأرض تعرف وجهتها قبلها.في قلب الضباب، لمحت طريقًا ضيّقًا مغطّى بأوراقٍ داكنة.لكن الغريب أنه كان يمتدّ في اتجاهين متعاكسين تمامًا —واحد يصعد، وآخر ينزل، وكلاهما يبدأ من النقطة نفسها.اقتربت، فلاحظت أن الظلال على الطريق السفلي تسير صعودًا،بينما ضوءها يسقط نحو الأسفل.تردّدت لحظة، ثم قالت همسًا:“الطريق يختار السالك، لا العكس.”كانت تلك جملة لا تعرف من أين جاءت.ربما من النبضة القديمة التي ما زالت تتردّد في صدرها كذاكرةٍ مفقودة.عندما وضعت قدمها على الطريق،تبدّل الضباب إلى زجاجٍ خفيف،وصار كل شيء حولها يعكس نفسه بطريقة غريبة —كل شجرة لها شجرتان، واحدة حقيقية، وأخرى تسير بعكسها تمامًا.⸻في القصر الزجاجي، كان آرون قد أغلق جميع المرايا.غطّاها بقماشٍ داكن خوفًا من تلك الصور الغريبة التي بدأت تظهر منذ ليلة الأمس.لكن بينما كان يبتعد عن آخر مرآة،سمع صوتًا طفيفًا كـ”شقٍّ في الزجاج”.استدار ببطء.رأى القماش يتحرك، كأن شيئًا ما يضغط من الجهة الأخرى.اقترب،ورأى على سطح القماش ظلّ يدٍ تمتدّ من الداخل.ارتجف القصر بأكمله،وتكسّر الزجاج في نمطٍ هندسيٍّ دقيق يشبه دائرة الطين التي لم يرها من قبل.ومن بين الشقوق، لمح مشهدًا غريبًا —غابةً رمادية، وطريقًا مزدوجًا،وفي نهايته امرأة تمشي باتجاهه.تردّد صدى صوتها في القاعة،كأنه يأتي من كل الاتجاهات في الوقت نفسه:“هل الطريق في عالمك مستقيم؟”همس آرون دون وعي:“لم يعد كذلك.”عندها، انعكست الصورة فجأة —وصار هو من يقف في الغابة،وهي التي تنظر إليه من خلف الزجاج.لم يدرِ إن كان هذا حلمًا أو شرخًا بين العالمين.لكنه أدرك شيئًا واحدًا:أن المرآة لم تعد تفصله عن الواقع،بل أصبحت هي الواقع.⸻في أعماق الرماد،كانت ميرا تحفر بين الركام بحثًا عن مصدر الصوت الذي سمعته في نومها.كانت أحلامها تمتلئ بطرقٍ لا تؤدي إلى مكان،لكنها الآن رأت تحت الرماد شبكةً من الطرق المصنوعة من رمادٍ متصلب.كل طريقٍ يتجه إلى نقطةٍ واحدة في المركز —حفرة دائرية تنبض بحرارةٍ خافتة.عندما لمستها،شعرت بنفس النبضة التي سمعَتها أول مرة،لكنها الآن تسير بالعكس: من الأرض إلى السماء.قالت بصوتٍ مرتجف:“الرماد يتذكّر النار، لكنه لا يشتاق إليها.”كانت تلك أولى كلمات التجاوز لديها،دون أن تدري أنها نطقت بها.⸻أما فايل،فقد بدأ يشعر بأن الهواء لم يعد طيّعًا كما كان.الرياح تسير للخلف،والغيوم تتجمّع لتصنع أشكالًا هندسية دقيقة —دوائر متداخلة، ومثلثات تتجه نحو نقطةٍ واحدة في الأفق.من هناك،رأى على الغيوم طريقًا يشبه الذي رأته إيرين،لكن مقلوبًا تمامًا،كأن السماء تحاول محاكاة ما يحدث في الأرض.ضحك بخفة،وقال للريح:“الطريقان يتجهان إلى بعضهما،فأيّنا سيصل أولًا؟”⸻وفي تلك اللحظة،كان إيثيريون كله يهتزّ باهتزازٍ خافت.لم يكن زلزالًا…بل كانت أول تزامنيةٍ حقيقية بين المسارات الأربعة.صوتٌ خفيّ انتشر في الطبقات العميقة للكوكب،صوتٌ لا يُسمع بالأذن، بل بالإدراك:“حين يلتقي الطريق بنفسه،يبدأ التجاوز الأول.”وتحت ذلك الصدى،بدأ الضوء ينعكس من الأعماق إلى السماء،كأن الكوكب انقلب على وجهه…وبدأ الطريق المقلوب.
0e8134af229cebe2شمس الرواياتb3c7e9a4d7a29848d930ab5394221c77
c3c1637e40272751شمس الرواياتa869079276483f55e41d31951add1735