رواية ذروة العالم "من" و "لماذا"

كان "أرون" يقف في الزمان الذي توقف فيه، عينيه فارغتين، وكأنهما لا تريان شيئًا سوى الصور المبعثرة في ذهنه. كان جسده متيبسًا كأن الألم قد تجمد في عروقه، وهو لا يزال يشعر بلمسة الدماء التي غطت كل شيء حوله، وكأنها جزء من نفسه الآن. عيناه الحائرتان تتنقلان بين الجثتين الملقاتين أمامه، غير قادر على تصديق ما يحدث. كان الواقع قد انهار، ليتحول إلى كابوس لا ينتهي.الهواء كان ثقيلًا، ثقيلًا حتى على صدره الذي كان يتنفس بصعوبة، وكأن كل نفس يخرج منه كان يمزقه أكثر. كانت صرخات داخله تختنق في حنجرته، كانت رغباته في الانتقام تتصارع مع حاجته للبحث عن الحقيقة، لكن شيئًا واحدًا كان جليًا: الحياة التي عرفها قد انتهت إلى الأبد، والعالم الذي كان يعتقد أنه سيسعى لبلوغه أصبح الآن أشبه بالمجرد من كل أمل.وقف هناك لبعض الوقت، محطّمًا، لا يعرف من أين يبدأ ولا إلى أين يذهب. لكن شيئًا بداخله يهمس له: "لا يمكن أن تمر هذه الجريمة دون حساب." كانت بداية رحلة لم يكن يعرف بعد أبعادها، لكن قلبه، المليء بالغضب والحزن، كان قد قرر منذ اللحظة الأولى أن يواجه هذا العالم المظلم مهما كانت التكلفة.توجه "أرون" إلى الرسالة المعلقة في الباب بخنجر كانت حافته مغطاة بدماء أمه وأخته البريئتين. أطلق كل ما تبقى من قوة في جسده ليرفع يديه المرتجفتين، ممسكًا بالورقة. نظر إليها بعينين مشوشتين، لم يستطع قراءتها بوضوح في البداية، لكن المكتوب كان واضحًا دون أدنى شك:"إذا كنت تريد والدك حيا فلتأتي إلى العالم العلوي."كانت تلك الكلمات، التي تقف أمامه بكل قسوة على مرأى من عينيه الخاليتين من الحياة، قد أرسلت شحنة من القشعريرة الحارقة في جسده. كان البرق قد أصابه، يقول له داخله: "الطريق أصبح واضحًا الآن."ضحكة شريرة مليئة بالألم خرجت منه، تتناثر في المكان الذي كان مليئًا بالدماء والموت. وصرخ بأقصى ما يمكن لحباله الصوتية تحمله:"العالم العلوي هاااا؟؟؟ إذاً هو حقيقي! وكذلك والدي هناك!"لم يتبقَّ له أي سبب للتشكيك. القسم الذي أقسمه كان قويًا، عميقًا، لا رجعة فيه. "سأذهب إلى هذا المكان اللعين وأغرس هذا الخنجر المليء بدماء عائلتي في عيني هذا الوغد الذي تجرأ على قتلهم!"