رواية البداية بعد النهاية التنازل

الفصل 400

عنوان الفصل: التنازل

المترجم : Soloris Zilinx

-------------------------------

(منظور آرثر ليوين)

كنت جالسًا في ظل شجرة تفاح، و أمضغ قضمةً من آخر ثمارها الناضجة، محدّقًا في الحقول جنوب مدينة بلاكبند.

بمجرد أن صارت عبارة عن تلال مسطّحة و منخفضة، تلألأت بضوء ذهبي مَيَّزَ حقول القمح التي لا نهاية لها، لكن كان هناك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية التي تحولت إلى معقل يتكوّن من آلاف الخيام على الحافة الجنوبية من مدينة بلاكبند بها ما يزيد عن العشرة آلاف جندي متمركزين هناك. تحرّك أولئك الجنود الذين يرتدون ملابسهم ذات اللونين الرمادي - و الأسود بخطوات ثابتة، و قصيرة، و قد رأيت العديد منهم يحنون رؤوسهم و يخوضون محادثات فيما بينهم و يلقون نظرات عابرة عمّا حولهم. و في أكثر من مرّة، يتوقف كبار الضباط ليقوموا بنهرهم و الصرّاخ في مجامع النَّمَّامين تلك بينما كان الرُّسل يركضون في اتجاههم في جوّ محموم.

فبعد جولة قصيرة في المقابر الأثرية حتّى أتأكّد من كوني و (ريجيس) في كامل قوانا، قُمنا بتَتَبُّع الآثار العميقة على تلك الرقعة من رمال الصحراء التي ميّزت مرور جيش آلاكريا عبرها من الصحراء إلى التلال الفاصلة بين مملكتيّ سابّين و دارف. على الرغم من امتلاكي لجهاز 'تشويه نسيج الزمكان' من بعد معركتي ضد الأطياف، و الذي يمكنني بواسطته التّنقل آنيّا على طول هذه المسافة، إلا أنني كنت بحاجة لأن أكون متيقّنًا أن كل قوات جيش آلاكريا لم تنفصل في مكان ما أو تغيّر مسارها إلى وجهةٍ مختلفة.

على الرغم من كونهم متقدمين عليّ بعدّة أيام، فإن الجنود المنسحبين من فيلدوريال وصلوا مؤخّرًا فقط. كنت أمتلك الأفضلية حتى من هذه المسافة البعيدة، حواسّي تم تقويتها بواسطة الأثير حتى أتمكّن من متابعة مجموعة الجنود الصاخبين أولئك بكلّ وضوح، تعقّبت كل من يخرج و يدخل إلى معسر الحرب هذا لفترةٍ من الزمن، اكتفيت بالمراقبة بينما كان هؤلاء الآلاكريّين يتقلّبون على مضض في حالة من عدم اليقين.

مرت عدّة ساعات بينما أنا و (ريجيس) ننتظر أسفل شجرة التفاح هذه. للأسف، لم يكن هناك أيّ أثر على تواجد الخادم و الوصي على ديكاثين (ليرا دريد) و لا على المنجلين الأخرتين. كانوا سيصنعون دعامة مناسبة للمشهد أمامي.

كان شعورا جيدًا أن أعود للميدان مرة أخرى، و يتواجد العدوّ أمامي مباشرةً. كانت عودتي لديكاثين طوال الفترة السابقة تتّسم بالاندفاع و التّخفّي عبر الأنفاق تحت الأرض، و العيش في خوف على عائلتي و جميع الديكاثيّين الذي هم تحت حمايتي. كنت قد سئمت من التهرّب و الاختباء. هذه كانت حربًا. و قد حان وقتي لأكون مبادرًا فيها.

و لم يكن بامكاني أن أفعل ذلك سوى الآن بسبب الرّماح. بسبب الضرّر الذي لحق بأنويتهم خلال نفس الطقوس التي ربطت مصائرهم بالملوك و الملكات الخاصين بكل عرق منهم و قَفَزَت بهم إلى مستوى الأنوية البيضاء، الآن بعد أن تم شفاء أنويتهم. (فاراي) (بايرون) و (ميكا) في هذا الوقت تحديدًا كانوا في طريقهم إلى فيلدوريال، و يقومون بامتصاص بقايا المانا في قرون الفريترا التي اكتسبتها من خلال معاركي، و حتى أمتلك أخيرًا الأفضلية منذ وقت طويل جدًّا.

عندما يتواجه الرماح في المرة القادمة مع المناجل، كنت واثقًا من أنّ النتائج ستكون مختلفةً تمامًا.

دوّى صوت البوق في معسكر الحرب أمامي، و بدأ الجنود يتجمّعون.

هل أنتَ مستعدّ ؟

اندفع (ريجيس) بعيدًا خارج جسدي و تكثف شكله الماديّ إلى ذئب ظلال كامل النمو "أوه، سيصبح الوضع مسليًّا".

معًا، بدأنا التحرك بسرعة من قمة التلّ حيث نمت تلك الشجرة الوحيدة، وصولا إلى الوادي الضيّق بالأسفل، و الذي كان منفتحًا على الحقول التي داستها أقدامهم، و مباشرةً نحو مخيّمهم مترامي الأطراف. و بمجرّد أن صرنا في مرمى بصر الحرّاس الذين يراقبون الجنوب، تباطأت رفقة (ريجيس) في وتيرة ثابتة. لم يستغرقهم وقتٌ طويل حتى يكتشفوا تواجدنا.

دوَّى صوت بوقٍ آخر، ثم واحد آخر. و كان صوته أعلى بشكل صاخب، فكرت بنوع من التسلية في الخوف، بطريقة ما. قفز العديد من الرجال يركبون نوعًا من وحوش المانا على شكل سحالي سريعة الحركة تدعى 'المتزلّجين' و هرعوا إليّ بغرض تمزيقي إلى قطع.

على بعد مائة قدم مني، صرخ أحدهم، ثم السحالي ذات اللون الأصفر-الرمليّ انزلقت و توقفّت، و تراجعوا للخلف جيّدًا.

قائدهم، كان رجلاً في أوائل العشرينيّات من عمره ذي لحية شقراء خفيفة و عينين داكنتين و نظرة ثابتة، دقّق في مظهري ثم أصبح لون جلده شاحبًا. استدار بقية الجنود نحوه، و كان بإمكاني القول أنهم جميعًا تعرّفوا عليّ من خلال الشائعات المنتشرة حولي، حتى و ان لم يسبق لهم رؤيتي بشكل مباشر. شعر 'المتزلّجون' بالانزعاج و عدم الراحة الذي اعترى راكبيهم أو ربّما شعروا بالتوتّر بسبب تواجد (ريجيس)، اضطربوا ثم حاولوا التراجع.

تحدث قائدهم إليّ "أفـ - أفصح عن هويّتك"، بنبرة صوت مهتزّة قليلا. تنحنح و نظف حلقه ثم جلس معتدلاً. و دون أن يتنظر جوابي، سألني على الفور "هل أنت خائن آلاكريا المدعو (غراي)؟ ان كنت كذلك، فاعلم أن الوصيّ (ليرا) من الدماء العليا (دريد) قد أصدرت أوامرًا بقتلك حالما تكون على مرمى بصرنا".

نظرت مباشرة في عينيه و قلت له "ما الذي تنتظره إذن؟".

رفع ذقنه، احدى يديه ممسكةً بلجام 'المتزلّج'، و الأخرى على مقبض سيفه "ما الذي تريده هنا ؟"

"إنه أمر سهل" كان ردّي على سؤاله، أشرتُ إلى مدينة الخيام التي خلفه "أن تختفي، تلك، و تختفيَ، أنتَ، حالًا".

صرَّ الفتى على فكيه خلف لحيته الشقراء. يُحسَب له أنّه لم يهرب فورًا، رغم أنني قادر على القول أنه كان يفكٍّر في الأمر. "أنت رجل واحد فقط. و هناك عدّة آلاف من الجنود يدعموني، بالتأكيد أنت لن -".

فعّلت الدرع الأثريّ. مشهد الدرع و هو يغطيني جعل الجندي ينزلق بشدّة على ظهر مركوبه، و المتزلّج الذي كان يركبه وثب على جانبيه و كاد يلقيه أرضًا. "ان كنت قد رأيتني من قبل، ستكون على علم بأنني دائماً ما أقدّم فرصة لكم حتى تلقوا بأسلحتكم و تغادروا أحياءًا. عشيرة الفريترا هم أعدائي، و ليس شعب آلاكريا. قوموا باخلاء هذا المخيم، و استعدّوا لمغادرة مملكة سابين فورًا".

حافظ على التواصل البصري معي لبعض الوقت بينما المتزلج الذي يركبه واصل الوثوب على الجانبين، كان يرغب بشدّة في الانسحاب. و أخيرا سمح لوحش المانا بتنفيذ رغبته و الذي سارع بالتوجه نحو المخيّم و تبعه البقية بسرعة.

"تَعِبتَ من أن تحاول القيام بالأمور بهذا الشكل؟" سألني (ريجيس)، تاركا لسانه يتدلى على احد جانبي فمه.

"أصبح أمرًا صعبا تقديم الرأفة في كل مرة يرفضونها فيها" اعترفت بالأمر، و أقاطع ذراعيّ بينما أراقب راكبي-المتزلجين يبتعدون بسرعة، "لكنه الأمر الصحيح للقيام به، (ريجيس) لو كان بامكاني فرقعة أصابعي و إرسال كل هؤلاء الآلاكريّين إلى قارّتهم بدون اللجوء إلى العنف، كنت فعلت ذلك، لكن ..." أصبح صوتي أقوى حين شعرت بارادتي تزداد صلابة "كل شخص يجعل من نفسه بيدقًا في يد الفريترا، سواءًا كانوا قد وُلدوا في آلاكريا أو ديكاثين قد اختار مصيره بنفسه".

عاد الكشافون إلى المخيّم، و تبع ذلك موجة من النشاط الفوضويّ، زاد الصراخ و رنّت أصوات الحجج التي جادلوا بها عبر التلال. راقبتهم بينما كان الضباط الكبار يفقدون السيطرة على الموقف، نتيجة اصطدامهم بالموقف العدائي المتزايد من جنودهم، ثم انهار التنظيم الهرمي داخل المخيّم بسرعة نتيجة افتقارهم للقيادة المناسبة. اعتقدت أن الآلاكريين قد يلجؤون للعنف، لكن بعدها دوّى صوت قوي تغلب على كل الأصوات الأخرى.

امرأة عملاقة في درع أسود ثقيل قامت بالقاء رجل على الأرض، ثم وَجَّهت سيفا عظيما ملتهبا نحوي، ثم اصطف الآلاكريين في صف واحد، و عدّة مجموعات من الجنود انشقّوا عن الصفوف و هربوا شمالاً، سارع الكثيرين في تنظيم أنفسهم في مجموعات قتالية تحت توجيهات تلك المرأة. توهّجت الدروع، الأسلحة و الدروع المعزّزة بالمانا عادت إلى الحياة بعد مدّها بالمانا، و مجموعة من التعاويذ بكل ألوان الطيف تم تنشيطها.

لم أستطع اخفاء شعوري بخيبة الأمل عندما نظرت إلى الآلاف من سحرة آلاكريا الذين ملؤوا الميدان أمامي.

تمتمت "كان الأمر ليكون أسهل، ان كانوا يمتلكون حسًّا سليما، و هربوا للنجاة بحياتهم".

"كان ذلك ليكون أقل متعة" سخر (ريجيس)، و بضحكة قاتمة أضاف "ربّما كان ليساعدهم لو ألقوا نظرةً جيدة علي و أنا في كامل مجدي؟".

أومأت له تعبيرًا عن موافقتي "قم بذلك".

بابتسامة عريضة تميّز هذا الذئب، فعّل (ريجيس) الرون-الإلهي 'الدمار'. اشتعلت نيران بنفسجية عبر كامل جسده، أصبح شكله الجسدي أكبر و تحوّل، أصبح أضخم و أكثر توحّشًا و صلابة، زادت حدة شكله المادي و انتشرت النيران عبره و الخوازيق السوداء الطويلة. صار رأسه أكبر و أعرض بينما نمت من فكيه المسطحين أنيابه اللامعة مثل حجارة الأوبسيديان، و برزت أجنحة من لوحي كتفيه المقوسين، ثم قفزت على ظهره.

ارتفع (ريجيس) فوق الأرض و أطلق هديرًا هزّ بلاكبند. و أطلق أنفاسًا من نيران 'الدمار' الخالصة بينما هو يحوم في الهواء فوق أعدائه.

هزة من الرعب انتشرت عبر جنود آلاكريا المذهولين. الساحر المسؤول عن استحضار الدروع استدار و حاول الفرار، لكن المرأة المسؤولة عن هذا الجيش ظهرت أمامه في ومضة من النار البيضاء الحارّة، و كان سيفها يتأرجح بالفعل. لم يكن قادرا حتى على استحضار درع حماية آخر قبل أن تقطعه إلى نصفين محترقين.

"أي شخص آخر يخذل دمائه (م م: عائلته) من خلال قلب ذيله بين قدميه و الهرب، سَيُدِين دمائه كذلك! (م م: تقصد ان تهمة الخيانة ستقع على أفراد أسرته كلهم)، باسم الفريترا سأحرص على أن تنزف أمهاتكم و بناتكم حتى الموت نتيجة لجبنكم!".

بعد سماع التهديد الذي أطلقته المرأة، بدأت التعاويذ بالطيران في كل اتجاه، و ملأت السماء بالألوان، الزرقاء، الحمراء، السوداء و الخضراء. الأشعة القاطعة، و الصواريخ المتفجرة سقطت حولنا مثل الألعاب النارية. حرقت أنفاس (ريجيس) المملوءة بنيران 'الدّمار' العديد من التعاويذ القوية. البقيّة، نَحَّيْتُهم جانبًا بواسطة الأثير. قمت بتفويت العديد منهم و انعكس بعضهم على درعي الأثري أو على الطبقة السميكة من الأثير التي كست جسد (ريجيس) دون أن يسبّبوا أيّ ضرر. أيًّا كان الضرر القليل الذي لحق بنا تم معالجته بشكل فوريّ.

"صراصير" همهم (ريجيس) بصوته الأكثر عمقًا "سيصبحون رمادًا تذروه الرياح حين أنتهي منهم".

"انتظر" أخبرته، معتمدًا على مناورة أخيرة لكسر خطوطهم دون ارتكاب مذبحة واسعة النّطاق.

لم أعد بحاجة للبحث عن مسارات الأثير بيني و بين قائدة الآلاكريّين. عندما أشبعت الرون الإلهي بالأثير، قام بتوجيهي. إخْتَفَيْتُ من على ظهر (ريجيس) و عاودت الظهور أمام القائدة، داخل النطاق الذي يغطيه سيفها العظيم.

نخرت بأنفاسها من المفاجأة و رفعت نصل سيفها للأعلى بشكل دفاعيّ، كلٌّ من النيران و الصواعق البنفسجية تلتف حول أطرافي و تنعكس من خلال عينيها الدّاكنتين.

بأسرع مما يمكنها أن تتفاعل معي، مددت يدي و أمسكت سيفها. توهّجت رونيات نطاق-القلب و عادت للحياة، مما جعل المانا التي في سلاحها مرئيّة بالنسبة لي. قمت بقطع تدفقها إليه، و أخرجت المانا منه، ثم دفعت الأثير في الفولاذ الذي صنع منه السلاح، على الرّغم من أنه صُنع بطريقة جيّدة، إلّا أنه لم يستطع تحمّل الضغط و انفجر، و غطّانا كلانا بالشظايا. على الرغم من أنها غير مؤذية بالنسبة لي، إلا أن شظيّة قد جرحت خدّها، و زمجرت بينما كانت تتعثّر من قوة الانفجار.

أخذتني خطوة الإله خلفها. بقبضتي التي كنت أرتدي بها قفازًا وجهت لها ضربة نحو عمودها الفقريّ حيث انفتح درعها و كشف عن عدّة وشوم لرونيات غطت ظهرها. تحطّمت عظامها، و جثتها الخالية من الحياة طارت نحو ظهور مجموعة قتالية قريبة، مما أدى إلى ارتطامهم جميعًا بالأرض.

كان التبادل سريعًا لدرجة أن معظم الجنود الألاكريين لم يلاحظوا ذلك، و واصلوا قذف التعويذات في اتجاه (ريجيس). فقط أولئك الذين كانوا على مقربة منَّا هم الذين شهدوا وفاة قائدتهم، ومعظمهم لم يتمكنوا سوى من التحديق بي و الرعب يملأ وجوههم. ومع ذلك، فقد كسر الأذكياء الصفوف وهربوا. وبمجرد أن فعل القليل ذلك، تبعهم العشرات.

كان (ريجيس) من فوق يفكٍّر "حسنًا، كان ذلك دراماتكيًّا"، "مركز قواتهم ينهار على نفسه. معظم جنودهم يركضون كأنهم يفرّون من الجحيم".

اصنع خطّا من نيران 'الدمار' مباشرة قبل أماكن تواجد صفوفهم الأمامية، ثم فكرت مليّا. تجنّب الجنود الفارّين لكن لا تتردّد في احراق كل من يواصل القتال.

قفزت النار المستعرة التي كانت تشكل مظهره، و تلوّت بطريقة تعبر عن الإثارة و البهجة "لك ذلك، أيها الزعيم".

هبط (ريجيس) عليهم متجنّبًا قصف تعويذاتهم قبل أن يستقرّ أمام مستحضري الدروع مباشرة، و الذين شكلوا نوعا ما جدارا من اللهب المتذبذب، و الماء الدوار، و صواعق البرق، و ألواح من المانا الشفافة. نيران 'الدمار' خرجت من فمه الهائل مثل نيران التنين، و امتدت فوق ساحة المعركة و تناثرت على الدروع، ملتهمةً المانا.

وقفت في وسط تلك الفوضى، مثل الصخرة التي لم تتأثر بأمواج البحر المتراجع. لم يهاجمني أي أحد - معظمهم لن ينظروا إلي مباشرةً حتى، كأن عدم نظرهم في اتجاهي سيجعل من حقيقة تواجدي هنا تصبح غير واقعية. تعثّروا على بعضهم البعض، يتدافعون و يركضون من حولي، بعيدا عن ألسنة اللهب البنفسجي باتجاه المدينة.

أصبح المخيّم نفسه عقبة بالنسبة لهم، و موجة الجثث التي ملأته تم دوسها تحت أحذيتهم الثقيلة، انهارت الخيام، الطاولات تم قلبها، و تم ذرّ الرماد في كل مكان بينما يهرولون هاربين في كل اتجاه.

بدأت بالتحرّك نحو بوّابات المدينة، أمشي ببطء وسط كل تلك الفوضى و ذلك الجنون. تمّ سحق الخطوط الأماميّة التي كانت تضمّ أصحاب الرّتب المنخفضة، هناك حيث تمّ ايقاف أولئك الذين حاولوا الفرار من قبل من كانوا قد قاتلوا، اندلعت العديد من المشاجرات. لكن لا أحد تجرّأ على الاقتراب مني على مسافة خمس عشرة قدمًا، حتى لو كان ثمن تجنُّبي الخوض في ألسنة اللهب العالية للنّار التي كانت تحرّقهم، أو ضرب حلفائهم.

انتشر اهتزاز شديد ناتج عن الدّويّ العالي للأجراس الكبيرة فجأة في جميع أنحاء مدينة بلاكبند، المتواجدة خلف ساحة معركتنا.

كان العديد من الجنود يهربون باتجاه بوابات المدينة المفتوحة، و بالمقابل، كان أفراد من الجيش الذين كانوا داخل أسوار المدينة يُلقي بهم خارجها، و تم اجبار العديد من أولئك الجنود على الفرار إما شرقًا أو غربًا على امتداد جدران المدينة، أو أن يُخاطروا باغلاق بوّابات المدينة و أن يبقوا عالقين في الخارج.

"هناك شيء ما يحدث داخل أسوار المدينة. تمّ اطلاق تعاويذ النيران في كلّ مكان. إنّ الشّعب يقاوم جيش آلاكريا بالفعل".

من خلال الفتحات الضيّقة في المستوى الثاني من سور بوّابة المدينة، رأيت رجالاً يتعاركون و يقاتلون. ثم في اللحظة التي تلت ذلك المنظر، ألقى قزم ذي شعر مجعّد حارسًا من جيش آلاكريا من أعلى سور البوّابة ليتمّ سحقه على الحجارة أدناه. تلى ذلك صوت سحب و قعقعة السلاسل الثقيلة في ساحة المعركة داخل جدران المدينة، و بدؤا بإغلاق البوابات في وجه الجيش المُنسَحب.

ظهرتُ مباشرة أمام البوّابات مغطّى بالبرق الأثيريّ و استحضرت فورًا شفرةً بنفسجيّة لامعة.

كنت محاطًا بجنود جيش آلاكريا الذين كانوا يفرّون من المخيم باتجاه المدينة. وصل البعض منهم و اخترق أسوار المدينة قبل أن يتمكن المقاتلون الديكاثيّون من اغلاق البوّابات، لكن العديد منهم كانوا لا زالوا في طريقهم يقتربون من هذا المكان.

صاحت امرأة و هي تتجه نحوي و الفزع يملأ محيّاها و أرجحت صولجانها المتجمّد بعنف شديد، لكن شفرتي الأثيرية قطعت سلاحها إلى شطرين دون جهد يذكر. في خضم حركتها ضربتها بكتفي و ارسلتها متقلبة فوقي، و للحظة ربطتنا زوائد من البرق البنفسجي اللاّمع تشبه الملاحق التي ترتبط بها فروع النباتات بعضها ببعض.

ثم بدأ الجنود الآلاكريين الأقرب منّي يتعثرون و ينهارون أرضا. خطوت خطوة باتجاه القوات المتراجعة، و سقط المزيد على أيديهم و ركبهم، و أجسادهم ترتجف. بعد خطوة أخرى، وصلت نيتي القاتلة إلى ذروتها، و تمّ سحق الجميع على بعد مائة قدم منّي على الأرض الغير مستوية تحتهم.

استمرّ صوت صرخات الرهبة من الرجال البالغين البائسين و أصوات بكائهم للحظة طويلة و خالدة، ثمّ عَمَّ صمت تامّ أرجاء ساحة المعركة كله، و تركتهم يختنقون داخل حناجرهم أو صدورهم بينما تسحب هالتي الساحقة الهواء من رئتيهم.

أولئك الذين كانوا خارج نطاق نيتي القاتلة تراجعوا لمسافة قصيرة، ثم سرعان ما تلاشوا من خلال التدافع فيما بينهم. خلفهم كان (ريجيس) قد أطلق هديرا متوحّشا هزّ الأرض، و اجتاح جدار من النيران الأرجوانية اللامعة عدة عشرات من المجموعات القتالية التي كانت لا تزال تقاوم.

"اسمعوني" كان اعلاني لهم، خففت من الضغط الذي كنت أصبه عليهم حتى أجتذب انتباههم، "هذه المدينة لم تعد تحت سيطرة قوات آلاكريا، و قريبًا سيتمّ تحرير كامل قارّة ديكاثين. سيكون بامكانكم الرحيل نحو دياركم طالما أنكم لم تؤذوا أي فرد من شعب ديكاثين. كلُّ من يرفض الرحيل أو يؤذي فردًا من شعب ديكاثين سيتمّ اعدامهم فورًا".

على بعد مسافةٍ منّي، لم يتم اطلاق المزيد من نيران 'الدمار' أو الرد على تعاويذ النيران التي اكتسحت الأرض. تمّ هزيمة قوّات آلاكريا في مدينة بلاكبند.

"أ-أين علينا أن نذهب، اذن؟" صرخ ملقي سحر قصير.

الاجابة جاءت من مكان ما أعلى الجدار فوقي من نبرة صوت متقطعة مألوفة لي "هل لي أن أقترح حافة شفرة حادّة تأخذ حياتكم بعيدا؟".

استدرت لأرى رجلا نحيفا جدّا ذو وجه بملامح حادّة. كان شعره الأسود به خطوط رمادية الآن، و أقصر من المرّة الأخيرة التي رأيته فيها، لكن النظارات الخالية من الحواف التي لازمت جسر أنفه كانت نفسها، و كذلك عينيه التين تنمّان عن ذكاء و حرص شديدين. لقد تقدّم به العمر، و ظهرت على جبينه و جانبي وجهه التجاعيد المميزة للقلق و التوتر.

عندما لاحظ الرجل أني أنظر إليه، أومأ بحزم "الجنرال (آرثر)، كان الآلاكريين ذوي الدماء العليا الذين يديرون المدينة مستائين للغاية خلال الأيام القليلة السابقة، خائفين من حضورك إلى هنا، و كانوا يأملون بشدّة أن لا تفعل ذلك".

"(كاسبريان)" قلت له، فوجئت بمظهره المتفاجيء. كان (كاسبيريان بلايدهارت) ذات مرة يدير قاعة نقابة المغامرين في مدينة زيروس، و كان عمّ صديقتي القديمة (كلير بلايدهارت)، "لقد تقدّم بك السن".

سخر من كلامي و هزّ رأسه "و بالكاد تبدو مثل ذلك الصبي الذي اختبرته ذات مرّة ليصبح مغامرًا. لكني لا أعتقد أنه الوقت المناسب لاستعادة ذكريات الماضي، أليس كذلك؟" أشار للساحة خلفه "نقابة المغامرين قد تمكنت من استعادة المدينة أيها الجنرال (آرثر)" حوّل نظرته نحو المئات من جنود جيش آلاكريا الذين تسمّروا حولي و أحاطوا بالآلاف من الآخرين الذين يحومون بشكل غير مؤكّد إما بين المدينة أو لهب رون 'الدّمار' البعيد "الآن أقترح عليك بشدّة أن تجعل وحشك يُجْهِزَ على البقيّة، قبل أن يتلاشى أيًّا ما كان ما فعلته بهم".

بدا المحيطين بنا و كأنهم حبسوا أنفاسهم، ثم تكلمت "لا، (كاسبيان) ليس هذا ما في نيّتي".

ارتجفت عضلة فكّه و بدا التوتّر في صوته بينما قال "لا أعرف المكان الذي كنت فيه، أو ما حدث لك يا (آرثر)، لكنّك لم ترى الوحشيّة و الانتقامية القاسية التي اتسم بها هؤلاء الآلاكريّين. و لا أشعر بأي خجل حين أقول أن كل فرد منهم يستحق أن يُخَوزَق على السيف".

(م م: الخوزقة على الخازوق أو الأسلحة الحادة الطويلة مثل السيوف ... الخ، من أبشع أساليب التعذيب و الاعدام التي كان الكونت دراكولا يعذب بها أعداءه و أسراه ).

قمت بتجاهل كلامه، و راقبت (ريجيس) أثناء عودته، ظلّل جسده الهائل بشكل مبالغ فيه بظلال داكنة على جنود آلاكريا. استغرق منه الأمر لحظة فقط حتى يغطّي بوابة سورالمدينة، محدّقًا في (كاسبيان) و المغامرين الديكاثيّين الآخرين قبل أن يهبط بثقله الكامل بجانبي. ارتجفت ألسنة اللهب التي شكلت العرف الذي غطى ظهره و رأسه مثل شعر الأسد، ثم بدأ يتقلص و يعود لحجمه الطبيعي، و فقد معظم الملامح الوحشيّة التي كانت بادية عليه، حتى أصبح ذئب ظلال مرة أخرى. أنيابه الضخمة اللامعة رجعت لطبيعتها، ثم هدر بتهديد قبل أن يصبح غير ماديّ و ينجرف إلى داخل جسدي.

"كم عدد من اختاروا الموت من أجل (آغرونا) ؟."

"عدة آلاف على الأقلّ، لا تزال هناك قوّة صغيرة تحتفظ بموقفها الدفاعي فقط، لم يعودوا يرمون التعاويذ، و لكن ان استمرّيت فترة أطول في ذلك الشكل، سأعلق في شكل جرو لفترة أطول من الوقت، و لا أعتقد أنّ أيًّا منّا يرغب بذلك الآن".

"حسنًا، اذا نجحت خطتي، فسيتم التعامل مع تلك القوة من قبل الآلاكريين أنفسهم". (م م: ريجيس و آرثر يتحدثان هنا لبعضهما البعض عبر ارتباطهما الذهني)

مع عدم استمرار (ريجيس) في الانقضاض على الساحة مثل الوطواط العملاق المتحوّل، انفصل بعض الجنود بالفعل عن الحشود و اتبعوا الآخرين الذين فرّوا بالفعل في جميع أنحاء المدينة. لقد تركتهم يهربون رغم علمي أنهم يشكلون خطرا - كان هناك العشرات من المجتمعات الزراعية الصغيرة في الشمال حيث يمكن لحفنة من الجنود و السحرة المدربين أن يتسبّبوا في فوضى - لكن كان علي التعامل مع التهديد الأكبر هنا أولاً.

أطلقت نيتي القاتلة، و مسحت جميع الآلاكريين المتواجدين. للأسف كان البارزين منهم قد فرّوا من المدينة بالفعل. قبل ذلك و بمساعدة من كلّ من (فيريون) و (بايرون) كنت قد خرجت بخطة عامّة لكيفية التعامل مع جنود الأعداء الذين كانوا أذكياء كفاية لإلقاء أسلحتهم و الاستسلام. و مع ذلك لم تخلوا هي أيضا من التعقيدات.

قلت بعد لحظة "أنت" مشيرًا إلى رجل كان يرفع نفسه عن الأرض بحذر شديد و ينظف الأوساخ عن زيه العسكريّ.

تجمّد مكانه و حدق في وجهي. كان شعره و لحيته مشذّبين بعناية، و كان يضع على جانبه ما بدا أنه نصل باهض الثمن، على الرغم من أنه لم يبدو كمحارب.

"أنت حارس" تكلمت عمّا لاحظته، "و على الأقل أنت من دم مسمّى (م م: عائلات آلاكريا ذات الدماء المسماة تعتبر طبقة اجتماعية عالية)، من خلال منظر ذلك النصل".

تقلص حاجبيه و التصقا ببعضهما البعض، ثم فتح فمه مترددا، عضّ على شفته من الداخل، ثم تكلم أخيرًا "أنا (بالدر) من الدماء العليا (فاسيري) يا سيّدي".

"(فاسيري)؟ أوه هذا مثاليّ" قلت له، أعطيت الرجل ابتسامة هادئة جعلت عبوسه و اضطرابه يصبحان أعمق "(بالدر) أنت الآن مسؤول عن حياة كل شخص من آلاكريا يتواجد هنا في بلاكبند - حتى أولئك الذين يركضون في اتجاه الشمال كأن حياتهم تعتمد على ذلك".

استنزفت الدماء من وجهه و صار شاحبًا، و نظر حوله في ذعر شديد "لكن أنا ... ام ..." ثم قام يتنظيف حلقه و أضاف "لست قائدًا لهذه القوّة _".

أخبرته بحزم "الرجال و النساء من حولنا لم يعودوا جنودًا في قوّات الجيش بعد الآن" ثم حدّقت به كأن نظرتي تخترقه "إنهم الآن مواطنون تقطعت بهم السبل في قارة بعيدة عن ديارهم، و ان كانوا يأملون بالعودة إلى ديارهم، فسيحتاجون إلى شخص يبقيهم منظمين و بعيدين عن المشاكل. و هذا الشخص سيكون أنت يا (بالدر) على افتراض أنك تريد رؤية ديارك مرة أخرى. أنت تريد هذا، أليس كذلك؟ في السيادة المركزيّة" أُذهل (بالدر) من ذكري للسيادة التي انتمى لها، ثم أصبح لون بشرته شاحبًا مثل الأشباح كما تابعت كلماتي "دريكر و كل السيادات المتبقيّة".

"لكن ...، أنت كيف تعر ...".

"فقط استمع لما أقول" قلت مخففا من لهجتي إلى حدّ ما.

شعرت بنظرة الاهتمام التي رمقني بها (كاسبيان) بينما أشرح بصوت واضح لهذا الفرد من الدماء العليا (بالدر فاسيري) ما كنت أتوقعه من أولئك الآلاكريين الذين كانوا لا يزالوا يأملون في رؤية ديارهم مرة أخرى. فقد كانت بوابات النّقل الآني في دارف معطلة - و كانت عملية اعادة تنشيطهم حتى لو لفترة قصيرة تهديدًا كبيرًا - لكن لم تكن هناك طريقة أفضل لنقل عدد كبير من الأشخاص دفعة واحدة. على الأقل حتى أتأكد من أن كامل قارة ديكاثين قد عادت بين يدي شعبها، كنت في حاجة لطريقة أخرى لنقلهم دون أن تشكّل خطرًا على ديكاثين.

لقد كانت في الواقع فكرة (فيريون) استعمال أنقاض مملكة إلنوار. حتى مع تجمع عشرات الآلاف من سكان آلاكريا هناك، لن يكون لديهم الموارد الكافية لشنّ أي نوع من الهجمات المضادة عبر الجبال أو الجدار. مجرد البقاء أحياء من خلال عمليات الصيد في الحواف الخارجية من تلال الوحوش سيستنزف كل وقتهم و مواردهم من أجل امداد هذا العدد الكبير من السكان بحاجياتهم.

كان ايصالهم إلى هناك، عبر المدن الشرقية لمملكة سابين كان ليتمّ بشكل واضح نسبيا، و كان الجدار لا يزال تحت سيطرة قوات ديكاثين، لذا لم أكن مضطرا لاستعادته حتى أسمح للخطة بالمضي قدما.

بعد أن أكد لي (بالدر) أنه يفهم كلامي، قلت له "إبدأ في تنظيم أناسك"، "أريد أن أعرف بالضبط عدد الأرواح الذين يريدون أن يتشاركوا مصريهم معك. و أيضا ان تمكنت بشكل ما من ضم راكبي المتزلجين، فأرسلهم شمالاً. و اعثر على قدر ما تستطيع من الفارين نحو الشمال" ثم أضفت بنبرة تهديد في صوتي "سأحملك المسؤولية عن أي جرائم يرتكبونها".

ابتلع (بالدر) ريقه بصعوبة "أنا أ-أتفهم ذلك".

تركت الآلاكريين ورائي، استعملت خطوة الاله للصعود إلى قمة الجدار، و ظهرت مباشرة إلى جانب (كاسبيان). جفل للحظة و تحركت يده نحو مقبض سيفه القصير، نفس النصل القصير الذي اختبرني به عندما كنت مجرد صبي في هذا العالم. أحاط به حفنة من المغامرين، نصفهم لوّح بأسلحتهم في اتجاهي بينما قفز النصف الآخر من المفاجأة.

تجاهلتهم كلهم "ما الذي حدث في المدينة يا (كاسبيان)؟ كنت أتوقع أن أضطر إلى استئصال القياديين الآلاكريين الراسخين هنا بعد تفكيك جيشهم ذلك".

قام بتعديل سترته الرمادية الفاتحة، و التي كان عليها بقع من الدماء على كل من اكمامها و الصدر، و أشار لرجاله بخفض أسلحتهم "الحقيقة هي أننا كنا في انتظار الفرصة السانحة للرد منذ اللحظة التي داهم فيها الرماح قاعة نقابة بلاكبند. منذ أن تم تنظيم ذلك المعسكر لمواجهتك، كان قادة المدينة المزعومين في حالة من الذعر. بمجرد أن قمنا بسحب أسلحتنا، فرّوا منا، و هجروا المدينة".

استدرت و وضعت يدي على حافة الجدار و نظرت نحو الحشد المرتبكين من الآلاكريين. كان (بالدر) يصرخ فيهم محاولا فرز كبار الضباط و غيرهم من الأفراد المنتمين للدماء العليا، لكن أفراد الجيش كانوا في حالة من الصدمة و لم يستوعبوا بعد ما كان يجري حولهم.

اعتمد الأمر على قدرة هذا الحارس من خلق الهدوء من خلال هذه الفوضى، لم أمتلك الكثير من الوقت للبقاء في بلاكبند، لكني لم أستطع ترك جيش غير منظم و خائف عند بوابات هذه المدينة أيضًا.

و لزيادة الأمور تعقيدًا، لم أكن أثق تماما في نقابة المغامرين. لم يكونوا جيشًا نظاميًّا، فقط العديد من المحاربين الديكاثيين الأكثر مهارة و السحرة الأقوياء، كانوا مغامرين. اختارت العديد من فروع النقابة عدم المشاركة في الحرب، ثم دخلت بسرعة في محادثات للعمل جنبا إلى جنب مع الآلاكريين عندما انتصروا.

بدا (كاسبيان بلايدهارت) رجلا صادقا و شريفا. (كلير) تمتّعت بهذه الصّفات بالتأكيد، على الرغم من ذلك، كانت (جاسمين فلايمسوورث) مثالا على أن الثمرة يمكن أن تكون أبعد ما يمكن عن صفات الشجرة الأصل (م م: يقصد أن جاسمين كانت شخصا نقيا و صادقا عكس والدها الذي كان يخطط لتحقيق المكاسب على حساب جثث ضحايا خطته الدنيئة حيث مات رينولد والد آرثر).لكن بدون تواجد مجلس حكم لتحديد اتجاه السلطة في ديكاثين أو سابين ككل، قدم هذا فرصة فريدة لنقابة المغامرين من أجل الاستيلاء على مراكز القوة و السلطة.

ما كنت بحاجة إليه في بلاكبند كان شخصا يمكنني الوثوق به ضمنيا، و أيضاً عضوا متحرما من نقابة المغامرين.

كانت الاجابة واضحة في اللحظة التي فكرت فيها بالأمر

"(كاسبيان) هل أنت العضو الأعلى رتبة في نقابة بلاكبند للمغامرين؟".

كان يراقبني بعناية من خلال النظارات التي يضعها على نهاية أنفه، ثم أعادها مرة أخرى لمكانها على جسر أنفه قبل أن يرد "لست كذلك، المسؤول عن قاعة المغامرين هذه صديق مقرب مني، أيضا العديد من أعضاء لجنة الترتيب الخاصة بقاعة بلاكبند للمغامرين يتمركزون حاليا في الخارج. زيروس أصبحت نوعا ما ... مكانا صعبا للتنقل إليه، خاصة بعد هجوم الرماح على الأكاديمية هناك".

"زيروس هي المدينة التالية في قائمتي" قلت له، استدرت لمقابلة نظرته الحادة. أبقيته في تلك الحالة، تثبت مكانه، ظهر اعجابه من واقع أنني وضحت له الفارق بين مكانتينا بمجرد نظرة "لكن قبل أن أتمكن من التعامل مع القوات المتواجدة هناك، أحتاج لمعرفة شيء ما، هل يمكنني الوثوق بك يا (كاسبيان)؟".

ارتفعت حواجبه من المفاجأة "هل هذه خطوة في اتجاه استيلائك على السلطة على هذه القارة؟".

قمت بهز رأسي بشدة، حتى أوضح أننا نفكر بخطين متوازين تماما (م م: يقصد أن أفكاره لا تشبه تماما أفكار كاسبيان مثل الخطين المتوازين لا يلتقيان أبدا في نقطة مشتركة)

"فقط من أجل استعادتها من الآلاكريين. أما فيما يخص ما سيحدث بعد أن يغادروها، أعدك أنني لا أرغب في أن أصبح ملكا مرّة أخرى".

"مرّة أخرى؟" سألني، مع ارتباك واضح في صوته.

"لا تشغل بالك" قلت له بنبرة ساخرة، "لقد قصدت فقط أنني أرغب في انقاذ قارتنا. لا أن أحكمها. (فيريون) و (تيسيا إيراليث) لا يزالان على قيد الحياة، مثلما لا يزال كلا من (كورتيس) و (كاثيلين غلايدر)، و أيضا -"، لم أستطع منع الابتسامة من أن تتسلّل إلى تعابيري "المئات من سادة الأقزام الذين يعتقدون كلهم أنه يجب عليهم حكم مملكة دارف".

ألقى (كاسبيان) بنظرة ذات مغزى على رجاله، و نقر على لسانه، ثم تحدّث "لقد سمعت عن الأشياء الجيدة التي تميزك يا (آرثر) من خلال الكلام الكثير من ابنة أخي عنك. أعتقد أنه يمكنني أن أثق بك، لذا، بالمقابل نعم، يمكنك الوثوق بي".

"هذا جيد" قلت له، مددت يدي و أمسك بها باحكام "لأنني أنوي تسليم هذه المدينة إلى نقابة 'القرن التوأم' و أريدك أن تُسهّل الانتقال السّلس للسلطة لهم".

-----------------------------------------

ترجمة و تدقيق : Soloris Zilinx

الترجمة لموقع : Sunovels.com