f4ea592cd9a1840eشمس الروايات44a702ebc32b8f836d9dc93b081d97fc
لم يكن الفجر قد اكتمل بعد حين تسللت الرياح إلى شوارع أولدرين، العاصمة الحجرية التي وُلدت فوق عظام الممالك السحيقة. تهاوت أوراق الشجر اليابسة كأنها رسائل خفية من زمن آخر، تتسابق إلى الأرض في خضوع. كانت المدينة، في هذا الصباح الرمادي، تبدو أقرب إلى قبر حي، تتنفس بالأنين وتئنّ من الذكرى.في أطرافها السفلى، حيث الطين يخالط الدم والرجال لا يرفعون رؤوسهم كثيراً، وقف شابٌ بجانب جدارٍ متهالك، نصفه مغطى بعشبٍ أسود لا ينمو إلا في الأماكن التي ذُبحت فيها الأرواح ظلماً.كان وجهه مغطى بظل قلنسوة رمادية ممزقة الحواف، لكن عينيه – بلون الحديد حين يبرد فجأة – كانت ترقب المدينة كما يرقب الغريب أرضاً يعرف أنه ينتمي إليها، لكنه لا يجرؤ على دخولها.اسمه سيدريك.وريث الدم المنسي.الناجي الوحيد من مجزرة رُبى راينفيلد… الليلة التي مُحي فيها اسمه من كتب الملوك، وظل محفوراً في جدران الخوف.كان يحمل خنجرًا غريب الشكل، نصلُه مائلٌ قليلاً ومغطى بشقوق رقيقة تشع بالضوء الأسود. لا يعرف أحد من أين أتى، لكن من رأوه يُقسمون أن الهواء من حوله كان يبرد كلما اقترب منهم.سحب سيدريك أنفاسه ببطء، كأنّه يستشعر شيئاً… لا، كأن شيئاً يستشعره هو.الرياح كانت تهمس.وليس كل من يسمع الهمس على قيد العقل بعدها...بين جدران إحدى الحانات العتيقة، كان أربعة رجال يتهامسون. أحدهم، جندي سابق للعرش الذهبي، يملك ندبة كبيرة عبر وجهه، قال بصوتٍ متوتر:– “سمعت أن من يحمل دم راينفيلد حيّ… رجل بعيون الذئب ونصلٍ لا يعكس الضوء.”– “تقول أسطورة، يا فاش، أم حلم سكر؟”– “بل شبح، يا أُغبر. رأوه الليلة قرب أطلال بوابة الغرب. الريح انقطعت لما مرّ، والعصافير خمدت.”ضحك أحدهم بتوتر، لكن في عينيه كان بريق الخوف.حتى السكارى في أولدرين لا يجرؤون على نطق اسم “راينفيلد” مرتين.ليس لأنهم خرافة… بل لأنهم إن عادوا، فإن العالم كما يعرفه الجميع، سينهار...جلس سيدريك عند حافة السور الحجري الذي يطلّ على النهر، يتأمل صفحة الماء التي لم تعد تعكس السماء. مرّت ذكرى سريعة كطعنة:طفل صغير في قاعة من المرمر، يقف أمام رجل عجوز بلحيةٍ بيضاء…الرجل يضع يده على صدر الطفل، يقول بصوت عميق:– “ما تحمله فيك يا سيدريك… ليس نعمة. إنه لعنة من نوعٍ آخر. نواة لا تنتمي إلى هذا العالم.”– “ماذا تعني؟”– “إنها شيلثارا… برق أسود، ينبض في الظلال. إن فُكّ ختمه، لن تعود كما كنت أبداً.”يعود الحاضر كصفعة.يهمس سيدريك لنفسه:– “فليكن إذًا… لا أحد يعود كما كان. ولا أحد ينتصر دون أن يخسر وجهه.”....في اللحظة نفسها، كانت قافلة صغيرة من حرس التاج تمر عبر الجسر الحجري. قائدهم، شاب متغطرس يُدعى لورد فين ألتراي، يحمل وثيقة مختومة بالشمع الأحمر، وعليها اسم:“سيدريك بن دارا، سليل الظل. حيّ. مطلوب حيًا أو ميتًا. الجائزة: ١٠٠٠ تالا ذهبي.”قال أحد الحراس:– “يا مولاي، إن صحّت الشائعات، فهذا الرجل لا يُقتل بالسيف.”– “كل رجل له نقطة ضعف. حتى الشياطين تموت إن ضُربت في قلبها.”لكن لا أحد أخبر فين أن قلب سيدريك ليس في صدره… بل في برقٍ لا يُرى، يضرب من الداخل، ويحترق بالصمت...حلّ الليل، وانطفأت مصابيح الحيّ العتيق.وفي الأعلى، على سطح مهجور، وقف سيدريك تحت المطر، فتح كفّه، لتومض شرارة سوداء صغيرة بين أصابعه…شيلثارا تستيقظ.قال بصوتٍ لم يسمعه إلا الريح:– “العرش نسي… لكني لم أنسَ.جئت لا أطلب الرحمة.بل جئت لأذكرهم لماذا خافوا اسمي يوماً.”ثم خطى خطوة نحو الظلام…..
58eda257319cb219شمس الروايات202462cac9a33f1af25e0390510d2181
4319485ff92eded5شمس الروايات906799af3877366e1c1def281500ae6c