b5627aea06b08862شمس الرواياتcedd016a850a10dec59d4454a01c3a4c
الفصل الأول: أريد أن أخسر وزني! في يوم صيفي قائظ، وفي شرق الاتحاد، امتد الضباب كخيوط الشيفون الرقيقة عبر غابة الغيوم البركية. تشابكت الأشجار القديمة الشاهقة، وكانت الطيور ترفرف من حينٍ لآخر بين تيجان الأشجار الكثيفة، تزقزق وهي تخترق الأفق بأجنحتها. عالياً في السماء، لم تعد الشمس ــ التي لطالما بدت خالدة لا تنطفئ ــ كما عهدها الناس، إذ كانت قد اخترقت منذ سنواتٍ عديدة بسيفٍ عتيق ذي لون برونزي مائلٍ للخضرة... سيفٌ لا يوصف بضخامته! لم يظهر منه سوى طرفه فقط! كان ذلك السيف قادماً من أعماق الفضاء، ينبض بعراقة القدماء، ويشع بهالةٍ قاهرة تطوّق السماء كأنها تُثبّت الأرض في مكانها، فيجعل الحياة بأسرها تجثو له إجلالاً وخشوعًا! كانت "شمس السيف" والغابة المطرية تبدوان من بعيد كلوحةٍ ساحرة، حتى جاء صوت أزيزٍ خافتٍ مزّق هدوء المنظر. كان منطادٌ أحمرٌ ساخنٌ يشق السماء ببطء متجهًا نحو الغابة. كان المنطاد ضخمًا للغاية، يتسع لمئات الأشخاص، وعلى متنه تجمّع العديد من الشبان والشابات في مجموعاتٍ من ثلاثة أو أربعة، يتبادلون الأحاديث والضحكات بسعادة. هؤلاء كانوا طلابًا جددًا في كلية الداو السماوي، إحدى أعظم أربع كليات داو في الاتحاد. جاؤوا من مدينة العنقاء، وها هم يسافرون على متن مركبة الكلية الخاصة، قاطعين آلاف الكيلومترات في طريقهم لتحصيل التعليم العالي. وربما بسبب ترقبهم للمستقبل وما سيحمله من تجارب، وبفضل الجاذبية الطبيعية بين الجنسين، فقد كانت رحلتهم التي امتدت لخمسة آلاف كيلومتر مليئةً بالمرح والتسلية. ونظرًا لطول الرحلة، زُوِّدت المركبة بجميع المرافق: من صالات الطعام، إلى حجرات الزراعة الروحية، إلى العيادات الطبية، وسواها. وفي صالة الطعام، جلس شاب بدينٌ على طاولة، منتفخ البطن. كان في السابعة عشرة من عمره، يرتدي رداء الداو أزرق فضفاض، ووجهه المستدير لا يكاد يُوصف بالوسامة. وبينما كان يُصدر أصواتًا وهو يربّت على بطنه الممتلئ، نظر إلى الأطباق الثمانية الفارغة أمامه بشيءٍ من الندم. "لا بد أنني زدت كيلوغرامًا ونصفًا بعد هذه الوجبة... لماذا لم أتحمّل؟ لا يمكنني أن أموت مبكرًا إذا أردت أن أصبح رئيس الاتحاد!" عبس الشاب البدين في أسى وهو يتجشأ نادمًا. كان اسمه وانغ باولي، وأحد الطلاب الذين تم قبولهم مؤخرًا في كلية الداو السماوي. كان حلمه في الحياة أن يصبح مسؤولًا رسميًا، وبشكل أدق: أن يصبح رئيس الاتحاد. وكان هذا الحلم مرتبطًا بتجربة عاشها في طفولته. يتذكّر والده وهو يربّت على رأسه كثيرًا، قائلًا بجدية ممزوجة بالحسرة: "باولي... أن تكون مسؤولًا، هذا هو الأفضل. تذكّر، المال يحلّ الكثير من الأمور، لكنك قد تظل عرضةً للظلم. أما إذا أردت ألا يُسيء إليك أحد... فعليك أن تكون مسؤولًا... شخصًا يعلو فوق الجميع!" لم يفهم وانغ باولي معنى كلام والده حتى دخل المدرسة الابتدائية. ففي أحد الأيام، نسي تسليم واجبه المنزلي، فما كان من المراقب إلا أن عنّفه، رغم أنه قدّم له حبتين من الحلوى. ومع ذلك، سُجّل اسمه، ووشى به إلى المعلم، مما ترك أثرًا لا يُمحى في قلبه الصغير. ومنذ تلك اللحظة، عقد العزم على أن يصبح مراقب الصف، ليس ليتنمّر على الآخرين، بل لكي لا يتنمّر عليه أحد. ولكنه حين كبر، أدرك أن المراقبين أنفسهم يتعرّضون للتنمر... فاقتنع أن السبيل الوحيد لأن لا يُساء إليه هو أن يصبح رئيس الاتحاد. ومن هنا، بذل كل ما بوسعه لدخول كلية الداو، إذ إن جميع كبار المسؤولين في الاتحاد تخرجوا من واحدة من الكليات الأربع الكبرى. غير أن الحظ لم يكن حليفه. فقد كان يحمل دمًا غريبًا في عائلته، ولا يزال يذكر تلك الليلة، قبل عامٍ من الآن، حين أطلعه والده الهزيل على شجرة العائلة لأول مرة. حينها، اكتشف أن كل أسلافه الذين تجاوز وزنهم مئة كيلوغرام... ماتوا قبل سن الخامسة والثلاثين! في تلك الليلة، حلم وانغ باولي... بأنه اجتمع بأسلافه البدناء، قبل أن ينجح في أن يصبح رئيس الاتحاد. ومنذ ذلك الحين، صار فقدان الوزن مسألة حياة أو موت بالنسبة له. وبرغم انفتاح عصر "انبثاق الروح"، ووفرة التشي الروحي، وعودة الفنون القتالية القديمة، ورغم كثرة طرق خسارة الوزن... بقي وزن وانغ باولي مستقرًا، بل وازداد قليلاً رغم كل المحاولات! وبينما كان يسترجع هذه الذكريات، زمّ شفتيه وعضّ على أسنانه، ثم عقد العزم على أن يبدأ رحلة خسارة الوزن بدءًا من الغد. وما إن اتخذ قراره، حتى شعر بالارتياح، وأخذ يدندن وهو ينظف أسنانه بعودٍ صغير وينظر إلى السماء الزرقاء من نافذة السفينة. وعاد ذهنه يعمل بنشاط. "أتُرى الشيخ لو قد أحبّ الهدية التي قدمتها له؟ إنها تحفة قديمة أحضرتها من البيت... لا بد أنه أعجب بها." هكذا واسى نفسه، معتقدًا أن نيله لرضى الشيخ لو سيكون كمن كسب دعمًا صغيرًا له داخل الكلية. صحيح أن سلطة الأساتذة محدودة، لكن لا بأس من إهدائهم بعض الهدايا. ذلك الشيخ العجوز لا بد أن له علاقات كثيرة... يبدو أنني خطوت خطوةً صحيحة! وبهذه الأفكار، امتلأ قلبه فرحًا. بالنسبة له، كان هذا تقرّبًا جديدًا نحو كرسي الرئاسة. كان واثقًا من حلمه، مستندًا إلى بحوثه الطويلة في مذكرات المسؤولين الكبار التي بدأ بجمعها منذ صغره. بل لقد اكتشف بعض "الورقات الرابحة" التي يحتاجها المرء ليصبح مسؤولًا كبيرًا. وفيما كان يحدّق في السماء الزرقاء، غمره شعور بالسعادة... لكن عينيه اتسعتا فجأة! فقد رأى غيمةً سوداء تقترب من الأفق، تتسع شيئًا فشيئًا، وتُطلق شرارات البرق من داخلها... وكأنها شبكة سوداء تنقضّ على الأفق! وسرعان ما استرعى المشهد انتباه الجميع، فتعالت الأصوات: "إنها نبضة كهرومغناطيسية!" ارتبك وانغ باولي بدوره، إذ إن ظهور التشي الروحي في عصر انبثاق الروح جلب معه ظواهر مذهلة، وأدى إلى توقف الطائرات القديمة عن العمل. وهكذا تم استبدالها بمناطيد تعتمد على الأحجار الروحية. ومع ازدياد البرق، بدأ المنطاد يتباطأ، وساد التوتر، إلى أن فُتح باب قاعة الطعام فجأة، ودخل شيخٌ يرتدي رداء الداو الأبيض، يكسو التجاعيد وجهه، لكنّه يتّسم بهالةٍ من الوقار. بدت ملامحه جادة، وعيناه تتلألأان، وكان صوته رنانًا حين قال: "الجميع يتوجّه فورًا إلى قاعة الزراعة الروحية! ارتدوا زيّ الأرواح المغناطيسية، فسنخترق منطقة النبض الكهرومغناطيسي بعد أقل من ثلاث دقائق!" نهض الجميع بسرعة واحترام، وتلألأت عينا وانغ باولي، فقد كان الشيخ هو الشيخ لو، الذي أهداه مسبقًا تلك التحفة. وازداد اقتناعه بأنه اختار الشخص المناسب! لكن الشيخ لو لم يكن لينسى، فتقدّم منه، وألقى عليه نصف قناع أسود، ثم قال بلهجةٍ صارمة: "لا تضيع وقتك على حيل كهذه وأنت لا تزال صغيرًا. لقد تعلّمت فنّ الإهداء قبل حتى أن تدخل الكلية؟! احفظ هذا القناع لنفسك!" توقف قلب وانغ باولي لحظة، وهمّ أن يعتذر، لكنه تذكّر واحدة من أهم نصائح المسؤولين: في حضرة الكبار، اعترف بخطئك بسرعة، فذلك قد يحوّل المشكلة الكبيرة إلى صغيرة. وهكذا أخذ نفسًا عميقًا، وظهرت على وجهه ملامح ندمٍ صادق، وقال: "أستاذي، معك حق... لقد أخطأت." تفاجأ الشيخ برده، ولم يستطع إكمال تقريعه له، فتنحنح واكتفى بعباراتٍ توجيهية للجميع... أخذ الشيخ لو نفسًا عميقًا، ثم رفع رأسه وألقى نظرة شاملة على الطلاب في قاعة الطعام، وأشار إليهم بيده قائلاً: "وأنتم جميعًا... أنتم طلاب المستقبل في كلية الداو السماوي، فانظروا إلى تصرفاتكم في الأيام القليلة الماضية! يجب أن تتذكروا دائمًا أن المحارب، أول ما يجب عليه أن يُقيم نفسه، ثم يضبط لسانه، وأخيرًا يُهذّب سلوكه!" رنّت كلمات الشيخ لو بصرامة في أرجاء القاعة، فانحنى الجميع رؤوسهم خجلًا. أما وانغ باولي، فقد لمعت عيناه على الفور. شعر أنها فرصته للتألّق! فأخرج دفترًا صغيرًا بسرعة، وبدأ يدون فيه بجدية، يرفع رأسه من حين لآخر نحو الشيخ وكأنه يلتقط كل كلمة بإمعان. بل إنه أومأ مراتٍ عدّة برأسه كما لو أنه يضع كل حكمة في قلبه. وكان هذا أيضًا من أساليب المسؤولين التي قرأها في مذكراتهم. عندما رأى زملاؤه هذا المشهد، نظروا إليه وكأنه قدّيس نازل من السماء! حتى الشيخ لو شعر بشيء من الغرابة وهو يراقب هذا الشاب المريب. لأول مرة، يرى طالبًا بهذا الشكل في حياته الطويلة في التدريس... فراح يرمقه بنظرة طويلة، ثم سخر بصوتٍ خافت: "أيها الصغير، لن تتمكن من كسب ودي بهذه السهولة. عليك أن تشكر النبضة الكهرومغناطيسية، وإلا لجلست أوبّخك لثلاثة أيام وثلاث ليالٍ بلا توقف. وسنرى... هل ستتمكن من تدوين كل ما سأقوله في دفترك الصغير؟!" وما إن نطق بهذه الكلمات، حتى تغيّر الجو على الفور. انبعثت من جسده هالةٌ خفية، كأنها قوةٌ روحية غمرت القاعة بأسرها، وأثارت الخوف في قلوب الطلاب. شعر الجميع أن الشيخ لو قد تفوق عليهم جميعًا في معركة الذكاء والهيبة! غمز وانغ باولي بعينيه وهو يتحسس قطعة اليشب الخاصة بالتسجيل الصوتي في جيبه، لكنه تراجع عن استخدامها. وجد أنه من الحكمة أن يتراجع في الوقت المناسب، فليس في الأمر ما يُخجل. عاد الشيخ لو للحديث بروحٍ مرحة، وقد بدا عليه السرور بعدما رأى انصياع الطلاب، فألقى عليهم مزيدًا من كلمات الوعظ: "تذكروا... اجتهدوا في الزراعة الروحية. لا تكونوا جشعين أو مخادعين، ولا تفكروا في الحب والغرام! اعلموا أن الشهوة والخطر وجهان لعملة واحدة! ما رأيته منكم خلال الأيام الماضية كان مزريًا!" وفجأة، انطلقت من سوار الاتصال الصوتي الخاص بالشيخ لو أنثى ناعمة قائلة: "جدي الشيخ... أين أنت؟ كيف أرتدي ملابس الأرواح المغناطيسية؟ ماذا تغطي؟ أسرع وساعدني!" جعل هذا الصوت الرقيق الشيخ لو يرتجف فجأة، فتنحنح محاولًا إخفاء اضطرابه، ثم رفع صوته بصرامة أمام الطلاب قبل أن يستدير مبتسمًا ويجيب بحماسٍ عبر السوار: "آه، ها أنا قادم! لا تقلقي يا حبيبتي الصغيرة، جدك قادم فورًا لمساعدتك!" كان التغير سريعًا جدًا، والفارق في التصرفات هائلًا، حتى أن الجميع أصيب بالذهول! حدّقوا ببلاهة، وحتى وانغ باولي نفسه ظلّ في حالة صدمة، ثم شهق بعمق، وما إن استوعب ما حدث، حتى انفجر في داخله بالغضب وراح يتمتم غاضبًا: "وقح! ذلك العجوز المنحرف... كل ما قاله سابقًا كان هراءً! عدد الطالبات محدود أصلاً، والآن يريد أن ينافسنا عليهن وهو في مثل هذا العمر؟! أليس هذا كله فقط لأنه مسؤول؟!" كلما فكّر أكثر، اشتعل غضبه أكثر، فانضم إلى زملائه في التذمّر، وقد أصبح أكثر عزمًا على تحقيق هدفه بأن يصبح مسؤولًا رسميًا! بعدها، دوّى جرس الإنذار مجددًا، فأنهى الجميع أحاديثهم وتوجهوا بسرعة إلى قاعة الزراعة الروحية. كانت قاعة الزراعة الروحية تقع في قلب المنطاد، وكما يوحي اسمها، فهي مخصصة لتدريب الطلاب، كما أنها الأكثر تحصينًا، خصوصًا عند عبور مناطق الخطر. دخل الطلاب القاعة، وجلسوا في صفوف منظمة بإشراف معلمي الكلية. كانوا يرتدون ملابس الأرواح المغناطيسية التي تم توزيعها عليهم مسبقًا. لم يزل الغضب يعتمل في صدر وانغ باولي حتى بعد تبديله لملابسه. نظر حوله دون اهتمام، لكن ما لبث أن ارتسمت على وجهه علامات الضيق حين وقعت عيناه على فتاة يعرفها جيدًا. كانت فتاةً ذات ساقين طويلتين رشيقتين، جميلة الملامح، لكنها كانت تحدّق فيه بامتعاض واضح. من نظراتهما، كان من الجليّ أنهما يعرفان بعضهما، لكنهما لا يتبادلان الود. "يالها من لعنة!" تذمر كل منهما داخليًا، وحوّل نظره بعيدًا، وكأن نظرةً واحدة تكفي لإفساد مزاجه. "ها هي ذات الصدر المسطح، دو مين، تلاحقني أينما ذهبت! مزعجة!" تمتم وانغ باولي. كانت دو مين زميلته منذ أيام الدراسة، معروفة بكبريائها وبرودها، وقد شغلت منصب المراقبة في الصف، حيث كثيرًا ما اصطدمت به، وكانت هي ذاتها من لم تُسعفه الحلوى في إنقاذه حينها. "ما المميز فيها أصلًا؟ مجرد مراقبة صف! حين نصل إلى كلية الداو، سأطبق تعاليم المسؤولين وأحصل على منصب رسمي!" هكذا قال متوعدًا. بعد فترة قصيرة، أنهى الجميع ارتداء ملابسهم. وشرح الأساتذة بعض التعليمات، وحذّروا الطلاب من خطر اجتياز المنطقة الكهرومغناطيسية، وأكدوا أن احتمال الموت وارد! فوجئ الجميع بمدى جدية التحذير، وانسحب المعلمون بعدها بهدوء. أُغلقت أبواب القاعة، وخفتت الأنوار، وعمّ الصمت المكان. وبمرور الوقت، تعاظم التوتر، وتوقف الهمس. حتى أن كل واحدٍ منهم صار يسمع دقات قلبه. وانغ باولي، رغم امتعاضه، بدأ يشعر بالخوف بدوره. وعندما بدأت العد التنازلي، اهتزت السفينة فجأة... ودخلت منطقة النبض الكهرومغناطيسي! في الخارج، بدت الغيوم السوداء كأنها فمٌ عملاق يوشك أن يبتلع المنطاد الأحمر الصغير. كان هذا المشهد يحمل قوة تدميرية لا تُوصف، قوة قادرة على محو كل شيء. وربما وحدها شمس السيف في السماء هي من يمكنها النجاة من هذا الخراب، ثابتة في مكانها عبر الأزمان. لقد كانت السنة السابعة والثلاثين من عصر انبثاق الروح... وفي عام 3029 ميلادي، تطورت التكنولوجيا على الأرض بسرعة هائلة، واختفت الحدود، وتوحّدت الأرض تحت راية الاتحاد، فدخلت البشرية عصر "الاتحاد الفدرالي". وفي تلك الحقبة، جاء السيف الضخم من أعماق الكون، واخترق الشمس، محدثًا صدمةً لا نظير لها. ربما كان مقبض السيف قد تضرّر مسبقًا، لكن قوة الاصطدام كانت كافية لتفتيته إلى شظايا كثيرة تناثرت في الفضاء، وسقط جزء منها على الأرض. ومع قدوم هذا السيف البرونزي المخضرّ، وسقوط الشظايا، ظهرت على الأرض طاقة جديدة... طاقة التشي الروحية! كانت هذه الطاقة تنتشر في كل مكان كالأوكسجين، لكنها تتفاوت كثافتها من منطقة إلى أخرى. تمكّن الاتحاد والفصائل المختلفة من جمع الشظايا، ومنها استخلصوا معارف الزراعة الروحية، وتطوير الأسلحة الطاوية، وتحضير الحبوب العلاجية، وتنقية الأحجار الروحية. وكانت النصوص المنقوشة على الشظايا ذات طابعٍ قديم، مما أدى إلى عودة الاهتمام بالكتابات القديمة. وبظهور الروح، انتهت الحاجة إلى مصادر الطاقة التقليدية، وتغير نمط حياة البشر، وظهرت "شبكة الروح الداخلية"، فبدأ عصر الحضارة الروحية. وانتشرت الفنون القتالية القديمة، وشهد العالم ثورة كاملة. وهكذا... بدأ عصر الزراعة الروحية! وقد أطلق عليه التاريخ اسم عصر انبثاق الروح. وفي خضم السحب السوداء المشحونة بالكهرباء، تقدّم المنطاد الأحمر ببطء، تتطاير حوله الصواعق بلا انقطاع، لكنه بقي محاطًا بهالة ناعمة تحميه وتبقيه ثابتًا. أما داخل قاعة الزراعة الروحية، فقد غرق جميع الطلاب في نومٍ عميق، كما لو أن قوة خفية جذبتهم إلى حلمٍ غامض. وفي مقدمة المنطاد، جلس ثمانية من أساتذة الكلية، بعضهم يرتشف الشاي، وآخرون يتبادلون الأحاديث بابتسامة خفيفة. بدوا مختلفين تمامًا عن صورتهم الصارمة أمام الطلاب. وكان يتوسطهم شيخٌ ذو وجه مجعّد، يمسك غليونًا ويدخّن بهدوء... ولو كان وانغ باولي هنا، لعرفه فورًا: إنه الشيخ لو، ذاك العجوز عديم الخجل. ابتسم الشيخ حين سأله أحد الأساتذة: "أيها المدير... كل شيء جاهز. هل نبدأ تجربة هذه الدفعة من الطلاب؟" فأجاب بابتسامة هادئة: "ابدأوا."
e2e2c8c7fe770e9aشمس الرواياتe801de5cc66ffa71fd36d468b3d00ffc
921701dc56e7e8bfشمس الروايات82b8548abb65d784ac883feb42d70a8b